فصل: قال ابن زنجلة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فصل في حجة القراءات في السورة الكريمة:

.قال ابن خالويه:

ومن سورة الحجر:
قوله تعالى: {ربما يود} يقرأ بتخفيف الباء وتشديدها فالحجة لمن خفف أن الأصل عنده في التشديد باءان أدغمت إحداهما في الأخرى فأسقط واحدة تخفيفا والحجة لمن شدد أنه أتى بلفظها على الأصل وهو الاختيار قال الشاعر:
يا رب سار بات لن يوسدا ** تحت ذراع العنس أو كف اليدا

اختلف النحويون في نصب اليد ها هنا فقال قوم موضعها خفض ولكن الشاعر أتى بها على الأصل واصلها يدي ثم قلب من الياء ألفا فقال اليدا كما قالوا الرحا والعصا والعرب تقلب الألف عند الضرورة ياء ذكر ذلك سيبويه وأنشد:
قواطنا مكة من ورق الحمى

أراد الحمام فأسقط الميم الأخيرة ثم قلب الألف ياء فلما قلبوا ها هنا من الألف ياء قلبوا هناك الياء ألفا وقال الأصمعي معنى كف ها هنا قبض وهو فعل ماض واليد منصوبة بتعدي الفعل إليها فإن قيل رب موضوعة للتقليل كما وضعت كم للتكثير فما وجه الإتيان بها ها هنا فقل إن العرب استعملت إحداهما في موضع الآخرى ومنه قولهم إذا أنكروا على أحدهم حالا فنهوه فلم ينته ربما نهيت فلانا فأبى فإن قيل فما موضع ما بعد رب فقل في ذلك أجوبة منها أن تكون نائبة عن اسم منكور فهي في موضع خفض أو تكون كافة لعمل رب ليقع بعدها الفعل لأنها من عوامل الأسماء أو تكون ما وما وصلت به بمعنى المصدر يريد رب وداد الذين كفروا فأما قوله {لو كانوا مسلمين} فقيل عند معاينة الموت وقيل عند معاينة أهوال يوم القيامة عند إخراج أمة محمد عليه السلام من النار بشفاعته لهم قوله تعالى: {ما تنزل الملائكة} يقرأ بفتح التاء وضمها وبالتشديد والرفع وبالنون وكسر الزاي والتشديد والنصب فالحجة لمن فتح التاء أنه أراد تتنزل فأسقط إحدى التائين ورفع الملائكة بفعلهم والحجة لمن ضم التاء أنه دل بذلك على نقل الفعل عن بنائه للفاعل إلى ما لم يسم فاعله ورفع به الملائكة لأن الفعل صار حديثا عنهم لما اختزل الفاعل وكل من حدثت عنه بحديث رفعته بذلك الحديث والحجة لمن قرأ بالنون أنه أخبر بذلك عن إخبار الله بالفعل عن نفسه ونصب الملائكة بتعدي الفعل إليهم قوله تعالى: {سكرت أبصارنا} يقرأ بتشديد الكاف وتخفيفها فالحجة لمن شدد أنه أراد سدت وغطيت والحجة لمن خفف أنه أراد سحرت ووقفت كما تقول سكرت الماء في النهر إذا وقفته وقال الكسائي هما لغتان وإن اختلف تفسيرهما قوله تعالى: {فبم تبشرون} يقرأ بتشديد النون وتخفيفها مع الكسر وبتخفيفها مع الفتح فالحجة لمن شدد أنه أراد تبشرونني بنونين الأولى علامة الرفع والثانية مع الياء اسم المفعول به فأسكن الأولى وأدغمها في الثانية تخفيفا ودل بالكسرة على الياء فكفت منها والحجة لمن خفف النون وكسرها أنه حذف إحدى النونين تخفيفا من غير إدغام واجتزأ بالكسرة من الياء ويستشهد له بقول الشاعر:
رأته كالثغام يعل مسكا ** يسوء الفاليات إذا فليني

قال البصريون أراد فلينني فحذف إحدى النونين وقال الكوفيون أدغم النون ثم حذفها واحتجوا بقوله تعالى: {وكادوا يقتلونني} و{أتعدانني} قالوا لما ظهرت النونات لم يحذفها وإنما الحذف في المدغمات كقوله تعالى: {تأمروني} و{أتحاجوني} والحجة لمن فتح النون وخففها أنه أراد نون الإعراب الدالة على الرفع ولم نضفها إلى نفسه قوله تعالى: {ومن يقنط} يقرأ بفتح النون وكسرها فالحجة لمن فتح النون أن بنية الماضي عنده بكسرها كقولك علم يعلم والحجة لمن كسر النون أن بنية الماضي عنده بفتحها كقولك ضرب يضرب وهذا قياس مطرد في الأفعال والاختيار فيه ها هنا كسر النون لإجماعهم على الفتح في ماضيه عند قوله تعالى: {من بعدما قنطوا} قوله تعالى: {إنا لمنجوهم أجمعين} يقرأ بالتشديد والتخفيف وقد تقدم القول في علته آنفا وأصله لمنجوهم بكسر الجيم وواين بعدها الأولى لام الفعل والثانية واو الجمع فانقلبت الأولى ياء لانكسار ما قبلها كما انقلبت في نجا ألفا لانفتاح ما قبلها فصار لمنجيوهم فاستثقلت الضمة على الياء فحذفت عنها فبقيت ساكنة والواو ساكنة فحذفت الياء لالتقاء الساكنين وضمت الجيم لمجاورة الواو قوله تعالى: {إلا امرأته قدرنا} يقرأ بالتشديد والتخفيف على ما تقدم القول في أمثاله فأما قدر بالتخفيف فيكون من التقدير والتقتير كقوله في التقدير فقدرنا فنعم القادرون وكقوله في التقتير ومن قدر عليه رزقه.
قوله تعالى: {أصحاب الأيكة} يقرأ بإسكان اللام وتحقيق الهمزة وبفتح اللام وتشديدها وطرح الهمزة ها هنا وفي الشعراء وصاد وقاف فالحجة لمن أثبت الهمزة أن الأصل عنده في النكرة أيكة ثم أدخل عليها الألف واللام للتعريف فبقى الهمزة على أصل ما كانت عليه والحجة لمن ترك الهمز أن أصلها عنده ليكة على وزن فعلة ثم أدخل الألف واللام فالتقى لامان الأولى ساكنة فأدغم الساكنة في المتحركة فصارت لاما مشددة وقد قرأها بعضهم على أصلها ليكة المرسلين وترك صرفها للتعريف والتأنيث أو لأنها معدولة عن وجه التعريف الجاري بالألف واللام وقد فرق بعض القراء بين الهمز وتركه فقال الأيكة اسم البلد وليكة اسم القرية وقيل هي الغيضة. اهـ.

.قال ابن زنجلة:

سورة الحجر:
{ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين (2)}.
قرأ نافع وعاصم {ربما يود الذين كفروا} بالتخفيف وقرأ الباقون بالتشديد.
قال الكسائي هما لغتان والأصل التشديد لأنك لو صغرت رب لقلت ربيب فرددت إلى أصله فإن قال قائل فما موضع ما في ربما قيل فيه وجهان أحدهما أن تكون ما نائبة عن اسم منكور في موضع جر بمعنى شيء وذلك كقوله الشاعر:
ربما تكره النفوس من الأم ** ر له فرجة كحل العقال

فما في هذا البيت اسم لما تقدم من عود الذكر إليه من الصفة المعنى رب شيء تكرهه النفوس.
قال البصري تقديره رب ود يود الذين كفروا والوجه الآخر أن تدخل كافة نحو هذه الآية وذلك أن إن ورب لا يليهما إلا الأسماء فإذا وليتهما الأفعال وصلوهما بما كقوله: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} {ما ننزل الملئكة إلا بالحق}.
قرأ عاصم في رواية أبي بكر {ما تنزل} بضم التاء مفتوحة الزاي الملائكة رفع على ما لم يسم فاعله حجته قوله {ونزل الملائكة تنزيلا.} قرأ حمزة والكسائي وحفص {ما ننزل} بالنون الملائكة نصب يخبر الله عن نفسه وحجتهم قوله {ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة} {وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولاأنزل علينا الملائكة} فلما كانت الملائكة مفعولين منزلين بإجماع رد ما اختلف فيه إلى ما أجمع عليه.
وقرأ الباقون {تنزل} بالتاء مفتوحة الملائكة رفع وحجتهم إجماعهم على قوله {تنزل الملائكة والروح فيها} {وما نتنزل إلا بأمر ربك} على أن التنزيل مسند إليهم والمعنيان يتداخلان لأن الله لما أنزل الملائكة نزلت وإذا نزلت الملائكة فبإنزال الله نزلت وتنزل.
{لقالوا إنما سكرت أبصرنا بل نحن قوم مسحورون}
قرأ ابن كثير {لقالوا إنما سكرت } أي سحرت وحبست والعرب تقول سكرت الريح إذا سكنت فكأنها حبست فكأن معنى سكرت أبصارنا لا ينفذ نورها ولا تدرك الأشياء على حقيقتها فكأنها حبست.
وقرأ الباقون {سكرت} بالتشديد أي غشيت فغطيت كذا قال أبو عمرو والغشاء الحبس أيضا.
وقال قتادة سدت وحجتهم في التشديد أن الفعل مسند إلا جماعة وهو قوله {سكرت أبصارنا} والتشديد مع الجمع أولى.
{وأرسلنا الريح لواقح} قرأ حمزة {وأرسلنا الريح لواقح} بغير ألف وجته أن الريح في معنى جمع ألا ترى أنك تقول قد جاءت الريح من كل مكان تريد الرياح وكما تقول ثوب أخلاق قال الشاعر:
جاء الشتاء وقميصي أخلاق

وقرأ الباقون {الرياح} على الجمع وحجتهم قوله {لواقح} ولم يقل لاقحا.
{فبم تبشرون} قرأ ابن كثير {فبم تبشرون} مشددة النون مكسورة الأصل.
تبشرونني النون الأولى علامة الرفع والثانية مع الياء في موضع النصب وإنما دخلت لتمنع الفعل من أن ينكسر ثم أدغم النون في النون وحذف الياء اجتزاء بالكسرة لأنها نابت عن الياء.
وقرأ نافع تبشرون بكسر النون مع التخفيف والأل فبم تبشرونني كما ذكرنا فاستثقل النونين فحذف إحداهما وهي الثانية لأن التكرير بها وقع ولم يحذف الأولى قال الشاعر في حذف النون:
تراه كالثغام يعل مسكا ** يسوء الفاليات إذا فليني

وقرأ الباقون فبم تبشرون بفتح النون خفيفة لم يريدوا الإضافة إلى النفس فتجتمع نونان. قال {ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون} قرأ أبو عمرو والكسائي {ومن يقنط} بكسر النون من قنط يقنط وحجتهما قوله من بعدما قنطوا. وقرأ الباقون بفتح النون من قنط يقنط وقنط يقنط لغتان ومثله نقم ينقم ونقم ينقم.
{إنا لمنجوهم أجمعين} وقرأ حمزة والكسائي إنا لمنجوهم خفيفة من أنجى ينجي وحجتهما قوله فأنجاه الله من النار والأصل لمنجوونهم بواوين الأولى لام الفعل من نجا ينجو والثانية واو الجمع فانقلبت الأولى ياء لانكسار الجيم فصارت لمنجوونهم فاستثقلوا الضمة على الياء فحذفت فالتقى ساكنان فحذفوا الياء وضموا الجيم لمجاورة الواو وحذفوا النون للإضافة وكذلك قوله تعالى: {إنا منجوك} والأصل منجونك.
وقرأ الباقون إنا لمنجوهم بالتشديد من نجى ينجي وحجتهم قوله: {ونجينا الذين آمنوا} وهما لغتان مثل أكرم وكرم.
{إلا امرأته قدرنا إنها لمن الغبرين (60)}.
قرأ أبو بكر {قدرنا إنها} بالتخفيف من قدر يقدر وحجته قوله قد جعل الله لكل شيء قدرا. وقرأ الباقون بالتشديد من قدر يقدر تقديرا فكان الفعل على لفظ مصدره. اهـ.

.أسئلة وأجوبة في السورة الكريمة:

قال الخطيب الإسكافى:
سورة الحجر:
الآية الأولى منها:
قوله عز وجل: {فاخرج منها فإنك رجيم وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين} [الحجر: 34-35].
وقال في [سورة ص 78]: {عليك لعنتي إلى يوم الدين}.
للسائل أن يسأل فيقول: إن كان المراد بـ: {اللعنة} ولعنتي شيئا واحدا، فما بال اللفظين اختلفا فجاء في سورة الحجر بالألف واللام، وفي سورة ص مضافا، وهل يصح في الاختيار أحدهما مكان الآخر؟
والجواب أن يقال: إن القصة في سورة الحجر ابتدءت في المعتمد بالذكر، وهو خلق الانس والجن باسم الجنس المعرف بالألف واللام بقوله: {ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمأ مسنون والجان خلقناه من قبل من نار السموم} [الحجر: 26-27] ثم قال: {ما لك ألا تكون من الساجدين} [الحجر: 32] فكان ما استحقه إبليس بترك السجود من الجزاء ما أطلق عليه اللفظ الذي ابتدءت بمثله القصة، وهو اسم الجنس المعرف واللام.
وكان الأمر في سورة ص بخلاف ذلك، لأن أول الآية: {إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنا من العالين} [سورة ص: 71-75] فلم تفتتح الآية بذكر الصنفين من الإنس والجن باللفظ المعرف بالألف واللام كما أن في سورة الحجر.
ولما كان موضع {ما لك ألا تكون مع الساجدين} [الحجر: 32] جاء بدله: {ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت} [سورة ص: 75] فجعل بدل الساجدين أن تسجد ثم قال: {لما خلقت بيدي} فخصصه بالإضافة إليه دون واسطة يأمره بقلعه، أجري لفظ ما استحقه من العقاب على لفظ الإضافة، كما قال: {بيدي} فقال: {وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين} فكان الإختيار في التوفقة بين الألفاظ التي افتتحت بها الآية واستمرت إلى آخرها هذا.
قوله تعالى: {إن في ذلك لآيات للمتوسمين} [الحجر: 75].
وقال في الآية التي بعدها: {وإنها للبسبيل مقيم إن في ذلك لآية للمؤمنين} [الحجر: 76-77]
للسائل أن يسأل عن جمع الآيات أولا، وتوحيدها آخرا فيقول: لم اختصت الأولى بالآية على التوحيد، وهل كانت الآيات لو ذكرت في الثانية، والآية لو ذكرت في الأولى، فما يكون في اختيار الكلام؟
والجواب أن يقال: ذلك في قوله: {إن في ذلك لآيات للمتوسمين} إشارة إلى ما قص من حديث لوط وضيف إبراهيم، وتعرض قوم لهم طمعا فيهم، وما كان من أمرهم آخرا من إهلاك الكفار وقلب المدينة على من فيها وإمطار الحجارة على من غاب عنها.
وهذه أشياء كثيرة، في كل واحدة منها آية، وفي جميعها آيات لمن يتوسم، أي يتدبر السمة، وهي ما وسم الله تعالى به العاصين من عباده ليستدلوا بها على حال من عند عن عبادته فيتجنبها، فكان ذكر الآيات ها هنا أولى وأشبه بالمعنى.
وأما قوله: {لآية للمؤمنين} فلأن قبلها: {وإنها لبسبيل مقيم} أي تلك المدينة المقلوبة ثابتة الآثار، مقيمة للنظار، فكأنها بمرأى العيون لبقاء آثارها، وهذه واحدة من تلك الآيات، فلذلك جاء عقيبها: {إن في ذلك لآية للمؤمنين}. اهـ.